خطبة الجمعة بعنوان : صناعة العقول وأثرها في بناء الإنسان ، للدكتور خالد بدير
بتاريخ 11 جمادي الآخرة 1446 هـ ، الموافق 13 ديسمبر 2024م
خطبة الجمعة بعنوان : صناعة العقول وأثرها في بناء الإنسان ، للدكتور خالد بدير، بتاريخ 11 جمادي الآخرة 1446 هـ ، الموافق 13 ديسمبر 2024م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 13 ديسمبر 2024م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : صناعة العقول وأثرها في بناء الإنسان :
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 13 ديسمبر 2024م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : صناعة العقول وأثرها في بناء الإنسان ، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 13 ديسمبر 2024م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : صناعة العقول وأثرها في بناء الإنسان ، بصيغة pdf أضغط هنا.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 13 ديسمبر 2024م ، للدكتور خالد بدير ، بعنوان : صناعة العقول وأثرها في بناء الإنسان: كما يلي:
أولًا: منزلةُ العقلِ في الإسلامِ.
ثانيًا: دورُ العقلِ في بناءِ الإ نسانِ.
ثالثًا: دعوةٌ إلى تطهيرِ العقولِ مِمَّا يُفسدُهَا.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 13 ديسمبر 2024م ، للدكتور خالد بدير ، بعنوان : صناعة العقول وأثرها في بناء الإنسان : كما يلي:
صناعةُ العقولِ وأثرُهَا في بناءِ الإنسانِ
11 جمادى الآخرة 1446هـ – 13 ديسمبر 2024م
المـــوضــــــــــوع
الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، وأنَّ سيِّدَنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ ﷺ. أمَّا بعدُ:
العنصر الأول من خطبة الجمعة بعنوان : صناعة العقول وأثرها في بناء الإنسان
أولًا: منزلةُ العقلِ في الإسلامِ.
للعقلِ منزلةٌ كبيرةٌ في الإسلامِ، فهو مِن أعظمِ الفروقِ بينَ الإنسانِ والحيوانِ، والعقلُ أحدُ الضروراتِ التي أوجبَ الشارعُ حفظَهَا، ويكفِي الإشارةُ إلى أهميةِ “العقلِ” في كتابِ اللهِ أنّ مادةَ (عَقَلَ) تكررتْ بجميعِ مُشتقاتِهَا حوالي سبعين مرةً، ناهيكَ عن الآياتِ التي تتصلُ بالعملياتِ العقليةِ كالتفكرِ والتأملِ والتدبر والنظر بتمعنٍ في آياتِ اللهِ في الأنفسِ والآفاقِ، والتي لا يمكنُ حصرَهَا من كثرَتِها في كتابِ اللهِ تعالى .
ومعلومٌ أنَّ العقلَ مناطُ التكليفِ فإذا غابَ العقلُ رُفِعَ التكليفُ عن العبدِ، فعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ” رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ, وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ, وَعَنِ الْمَعْتُوهِ حَتَّى يعقل “. (أبو داود والترمذي وحسنه).
والعقلُ والدينُ صِنوانِ لا ينفكَّان، فلا يتمُّ دينُ المرءِ حتّى يتمَّ عقلُهُ، والعقلُ بلا دينٍ ضلالٌ وانفلاتٌ وغواية، والتديُّن بلا عقلٍ بريدُ الفهمِ المنكوسِ والسُّلوكِ المَشينِ، وضيقِ العطَنِ، وكم في ذلكَ مِن إساءةٍ إلى النفسِ والناسِ، وتشويهٍ لصفاءِ الإسلامِ ونقائِهِ. وقد كان الحسنُ البصريُّ – رحمَهُ اللهّ – إذا أُخبِرَ عن صلاحِ رجُلٍ قالَ: “كيفَ عقلُهُ؟ فمَا تمَّ دينُ عبدٍ قطُّ حتى يتمَّ عقلُهُ”. ومِصداقُ ذلكَ مِن كلامِ اللهِ – تباركَ وتعالَى -: {وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ}. [يونس: 100]. وصدقَ مَن قالَ:
وأفضلُ قَسمِ اللهِ للمرءِ عقلُهُ …………. فليسَ مِن الخيراتِ شيءٌ يُقارِبُهُ
إذا أكملَ الرحمنُ للمرءِ عقلَهُ ………….. فقد كمُلَت أخلاقُهُ ومآرِبُهُ
وقد سُئِلَ ابنُ المُباركِ -رحمَهُ اللهُ-: ما أفضلُ ما أُعطِيَ الرجلُ؟ فقال: “غريزةُ عقلٍ”، قِيلَ: فإنْ لم يكنْ؟ قال: “أدبٌ حسنٌ”، قِيلَ: فإنْ لم يكُنْ؟ قال: “أخٌ صالحٌ يستشيرُه”، قِيلَ: فإنْ لم يكُنْ؟ قال: “صمتٌ طويلٌ”، قِيلَ: فإنْ لم يكُنْ؟ قال: “فموتٌ عاجلٌ”. وقال لُقمانُ لابنِه وهو يعِظُه: “يا بُنيَّ! اعلَمْ أنَّ غايةَ السُّؤدَدِ والشرفِ في الدنيا والآخرةِ حُسنُ العقلِ، وإنَّ العبدَ إذا حسُنَ عقلُهُ غطَّى ذلك عيوبَهُ وأصلحَ مساوئَهُ”. وسُئِلَ قتادةُ -رحمَهُ اللهُ-: أيُّ الناسِ أغبَطُ؟ قال: “أعقلُهُم”. وسُئِلَ: أيُّ الناسِ أعلَمُ؟ قال: “أعقلُهُم”. ولذلك قالوا: “عدوٌ عاقلٌ خيرٌ مِن صديقٍ جاهلٍ”.
ولأهميةِ العقلِ ومكانتِهِ أنَّ اللهَ سبحانَهُ تعالَى يردُّ للإنسانِ عقلَهُ في قبرِهِ مرةً أُخرى حتى يسألَ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ: ذَكَرَ فَتَّانَ الْقُبُورِ، فَقَالَ عُمَرُ: أَتُرَدُّ عَلَيْنَا عُقُولُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «نَعَمْ، كَهَيْئَتِكُمُ الْيَوْمَ». (أحمد وابن حبان بسند حسن). يعني: ترجعُ إليكُم عقولُكُم وأرواحُكُم كهيئتِكُم اليوم، فتسألونَ، يعني: تسألونَ عن اللهِ سبحانَهُ وتعالَى، وعن رسولِهِ ﷺ، وعن دينِ الإسلامِ، فمَن كان على رسوخٍ وقوةٍ فإنَّهُ يجيبُ بلا تلكؤٍ، ومَن كانَ في ترددٍ وشكٍّ وريبٍ يظهرُ شكُّهُ في هذا الموضعِ، هل أنَا أصيبُ إنْ قلتُ هذا ربمَا يكونُ غيرَهُ، أو غيرَ ذلكَ فيقعُ في ترددٍ، بخلافِ الإنسانِ الراسخِ الذي على بينةٍ وثباتٍ في ذلكَ.
العنصر الثاني من خطبة الجمعة بعنوان : صناعة العقول وأثرها في بناء الإنسان
ثانيًا: دورُ العقلِ في بناءِ الإ نسانِ.
للعقلِ دورٌ كبيرٌ في بناءِ الإنسانِ، وذلكَ مِن خلالِ الوجوهِ التاليةِ:
الوجهُ الأولُ: البناءُ العقدِيُّ والإيمانِيُّ: وذلك مِن خلالِ التدبرِ والتفكرِ في الآياتِ الكونيةِ والإنسانيةِ كمَا جاءَ في القرآنِ والسنةِ. وقد كان إبراهيمُ عليهِ السلامُ لهُ السبقُ في استخدامِ منهجِ التأملِ والانتقالِ مِن حالٍ إلى حالٍ للوصولِ إلى الحقيقةِ، رافضًا منهجَ التقليدِ وإلغاءَ العقلِ، وسجلت الآياتُ الكريماتُ هذا المنهجَ الفريدَ في الاستدلالِ، قالَ تعالَى: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَاقَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.(الأنعام: 76 – 79).
الوجهُ الثانِي: البناءُ الفكرِيُّ والعلمِيُّ: لأنَّ غذاءَ العقلِ هو العلمُ والفكرُ والمعرفةُ، ولأهميةِ البناءِ العلمِي والفكرِي كان أولَ ما نزلَ على قلبِ الرسولِ ﷺ قولُهُ تعالَى: { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}. (العلق: 1-5)، ولمَّا هاجرَ الرسولُ ﷺ إلى المدينةِ المنورةِ كان أولَ عملٍ قامَ بهِ بناءُ المسجدِ؛ لأنَّ المسجدَ مدرسةٌ روحيةٌ وعلميةٌ، لذلكَ كانت هناكَ علاقةٌ وطيدةٌ بينَ العلمِ والعقلِ، فالعلمُ هادٍ للعقلِ ومرشدٌ لهُ، وما أجملَ هذه المحاورةَ بينَ العلمِ العقلِ.
علمُ العليمِ وعقلُ العاقلِ اختصمَا……….. مَن ذَا الذي منهمَا قد أحرزَ الشرفَا
فالعلمُ قالَ: أنا أدركتُ غايتَهُ ……………والعقلُ قالَ أنا الرحمنُ بِي عُرفَا
فأفصحَ العلمُ إفصاحاً وقالَ لهُ:……………. بأيِّنَا اللهُ في قرآنِهِ اتصفَا؟
فبانَ للعقلِ أنَّ العلمَ سيدَهُ ……………. فقبَّلَ العقلُ رأسَ العلمِ وانصرفَا
الوجهُ الثالثُ: البناءُ الاستنباطِيُّ والدلالِيُّ: فالعقلُ لهُ وظيفةٌ مهمّةٌ في استنباطِ الأحكامِ، والنظرِ إلى الأدلةِ ونقدِ متونِ الحديثِ، وكلّمَا كان العقلُ المسدَّدُ بنورِ الوحيِ أوفرَ وأكبرَ، كان المرءُ أقدرَ على الاجتهادِ والإصابةِ والاستنباطِ، يقولُ تعالى: { كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} (ص: 29). ولهذا كان الدليلُ العقلِيُّ ملازمًا للدليلِ النقلِي في كثيرٍ مِن المسائلِ الشرعيةِ، وقد رويَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَبْعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ قَالَ لَهُ: ” كَيْفَ تَقْضِي إِذَا عَرَضَ لَكَ قَضَاءٌ ” . قَالَ أَقْضِي بِكِتَابِ اللَّهِ . قَالَ ” فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فِي كِتَابِ اللَّهِ ” . قَالَ فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ . قَالَ ” فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَلاَ فِي كِتَابِ اللَّهِ ” . قَالَ أَجْتَهِدُ رَأْيِي وَلاَ آلُو . فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ صَدْرَهُ وَقَالَ ”الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ لِمَا يُرْضِي رَسُولَ اللَّهِ ” . (أحمد وأبو داود والترمذي).
الوجهُ الرابعُ: البناءُ المادِيُّ والتكنولوجِيُّ: وذلك باستخدامِ العقلِ في الابتكارِ والاكتشافِ، فالعالمُ المُعاصِر بعلومِه وفنونِه ومُكتشفاتِه ومُخترعاتِه، ما أصابَهُ مِن خيرٍ ومنافِعَ فمِن إعمالِ العقلِ، وما أصابَهُ مِن سُوءٍ ومفاسِدَ فمِن تعطيلِ العقلِ واتباعِ الهوَى، والبُعدِ عمَّا جاءَ بهِ المُرسَلونَ مِن الحقِّ والهُدى.
وهكذا ينبغِي على الإنسانِ أنْ يسعَى جاهدًا على بناءِ عقلِهِ وتغذيتِهِ مِن خلالِ هذه الوجوهِ كلِّهَا، لذلك نعَى القرآنُ الكريمُ على تعطيلِ العقلِ عن التفكيرِ المتزنِ السليمِ الذي يصلُ بصاحبِهِ إلى الحقِّ، وإنَّ الذينَ يهدرونَ عقولَهُم هُم شرُّ خلقِ اللهِ، حيثُ قالَ تعالَى: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ}. (الأنفال: 22)، وقالَ تعالَى: {وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ}. (يونس: 100).
وبسببِ تعطلِ العقلِ عندَ قومٍ كانُوا مِن أصحابِ السعيرِ، قالَ تعالَى: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ}(الملك: 10 )، يقولُ الإمامُ ابنُ كثيرٍ رحمَهُ اللهُ : ” أَيْ لَوْ كَانَتْ لَنَا عُقُولٌ نَنْتَفِعُ بِهَا أَوْ نَسْمَعُ مَا أَنْزَلَهُ اللَّهُ مِنَ الْحَقِّ، لَمَا كُنَّا عَلَى مَا كُنَّا عَلَيْهِ مِنَ الْكُفْرِ بِاللَّهِ وَالِاغْتِرَارِ بِهِ، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ لَنَا فَهْمٌ نَعِي بِهِ مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ، وَلَا كَانَ لَنَا عَقْلٌ يُرْشِدُنَا إِلَى اتِّبَاعِهِمْ”. (تفسير ابن كثير).
فهؤلاءِ أعطاهُم اللهُ أسماعاً، وأعطاهُم عقولاً، ولكنّهُم لم يستعملُوا أسماعَهُم ولا عقولَهُم في إدراكِ الحقِّ الذي أنزلَهُ اللهُ تعالَى، فكانُوا بمثابةِ الذين انعدمتْ أسماعُهُم وعقولُهُم ولم تغنِ عنهُم شيئًا.
العنصر الثالث من خطبة الجمعة بعنوان : صناعة العقول وأثرها في بناء الإنسان
ثالثًا: دعوةٌ إلى تطهيرِ العقولِ مِمَّا يُفسدُهَا.
هناكَ عدةُ أمورٍ تعملُ على فسادِ العقلِ وتدميرِهِ، يجبُ علينَا أنْ نطهرَهُ منهَا. مِن هذه الأمورِ:
تطهيرُ العقولِ مِن التقليدِ الأعمَى: لأنَّ التقليدَ الأعمَى بلا وعيٍ رأسُ كلِّ بليةٍ، ونحن نجدُ في مجتمعِنَا عقولًا متحجرةً مقلدةً لا تخضعُ لنصٍّ ولا لدليلٍ، {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ}. (البقرة:170)، والآيةُ تنددُ بهؤلاءِ الذينَ ألغُوا عقولَهُم فقلّدُوا آباءَهُم في العقائدِ الباطلةِ التي لا زمامَ لهَا ولا خطامَ، ولا أصلَ ولا فصلَ. كما حذَّرَنَا رسولُنَا ﷺ مِن التَّقليدِ الأعمَى، فعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «لَا تَكُونُوا إِمَّعَةً، تَقُولُونَ: إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا، وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ، إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا، وَإِنْ أَسَاءُوا فَلَا تَظْلِمُوا» (الترمذي وحسنه)، يقولُ الإمامُ المباركفورِي:” فيهِ إشعارٌ بالنهيِ عن التقليدِ المجردِ حتّى في الأخلاقِ فضلاً عن الاعتقاداتِ والعباداتِ”. أ.ه.
ومنها: تطهيرُ العقولِ مِن الفكرِ المتطرفِ: وذلكَ بمواجهةِ الإرهابِ وتطهيرِ عُقولِ الشبابِ مِن الأفكارِ المتطرفةِ؛ لأنَّ الناسَ لو استقامتْ عقولُهُم، صارُوا يُفكِّرونَ فيمَا ينفَعُهُم ويبتَعِدونَ عمَّا يضرُّهُم، إذًا هناكَ علاقةٌ كبيرةٌ بينَ المحافظةِ على عقولِ الناسِ وبينَ استقرارِ الأمنِ عندَهُم؛ لأنَّ مِمَّا يذهبُ بأمنِ الناسِ انتشارَ المفاهيمِ الخاطئةِ حيالَ نصوصِ القرآنِ والسنةِ، وعدمَ فهمهمَا بفهمِ السلفِ الصالحِ، وهل كُفِّرَ الناسُ وأُريقت الدماءُ، وقُتِلَ الأبرياءُ وخُفرت الذممُ بقتلِ المستأمنينَ وفُجِّرت البقاعُ، إلّا بهذهِ المفاهيمِ المنكوسةِ، والأفكارِ المتطرفةِ المعكوسةِ؟!!
فالوقوفُ عندَ ظواهرِ النصوصِ مع الجمودِ والتعصبِ يؤدِّي إلى التطرفِ والوقوعِ في الزيغِ والضلالِ، يقولُ الإمامُ ابنُ القيمِ- رحمَهُ اللهُ – :” مَن أفتَى الناسَ بمجردِ المنقولِ في الكتبِ على اختلافِ عُرفِهِم وعوائدِهِم وأزمنتِهِم واحوالِهِم وقرائنِ احوالِهٍم فقد ضلَّ وأضلَّ، وكانتْ جنايتُهُ على الدينِ أعظمَ مِن جنايةِ مَن طببَ الناسَ كلَّهُم على اختلافِ بلادِهِم وعوائدِهِم وأزمنتِهِم وطبائعِهِم بمَا في كتابٍ مِن كتبِ الطبِّ على أبدانِهِم، بل هذا الطبيبُ الجاهلُ وهذا المفتي الجاهلُ أضرُّ على أديانِ الناسِ وأبدانِهِم ” (إعلام الموقعين) . ويقولُ الحسنُ البصريُّ: إنَّ قومًا طلبُوا العبادةَ وتركُوا العلمَ حتى خرجُوا بأسيافِهِم على أمةِ محمدٍ ﷺ ولو طلبُوا العلمَ لحجزَهُم عن ذلكَ .أ.ه
إنّنَا يجبُ علينَا أنْ نسايرَ العصرَ، ونتركَ التعصبَ والتقليدَ الأعمَى والجمودَ والتحجرَ عندَ ظاهرِ النصِّ، بل ننظرُ بعينِ العقلِ والبصيرةِ إلى مقاصدِ الشريعةِ وغاياتِهَا وأهدافِهَا مِن النصوصِ؛ حتى نعيشَ متحابينَ في أمنٍ وسلام ٍ.
ومنها: تطهيرُ العقولِ مِن المسكراتِ والمخدراتِ: لأنّهَا تدمرُ العقلَ وتبيدُهُ، كمَا أنّهِا تصدُّ عن ذكرِ اللهِ وعن الصلاةِ. قالَ تعالَى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ}. (المائدة: 90 , 91).
ولخطورةِ هذه الظاهرةِ على الفردِ المجتمعِ سوفَ نفردُ لهَا خطبةً لاحقًا إنْ شاءَ اللهُ تعالى.
وخلاصةُ القولِ: إنَّ الإنسانَ إذا غذَّى عقلَهُ بالعلمِ والفكرِ والمعرفةِ والتدبرِ والتفكرِ والإبداعِ، فإنَّه ينفعُ نفسَهُ ووطنَهُ، ويكونُ أداةَ بناءٍ وتقدمٍ، ويفوزُ في دنياهُ وأخراهُ. أمَّا إذا عطلَ عقلَهُ أو أشبعَهُ بالأفكارِ المتطرفةِ، فإنَّهُ يضرُّ نفسَهُ ومجتمعَهُ، ويكونُ معولَ هدمٍ، ويخسرُ دنياهُ وأخراهُ. {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ}. (العنكبوت: 43).
نسألُ اللهَ أنْ يلهمَنَا رشدَنَا، وأنْ يحفظ َ عقولَنَا ومصرَنَا مِن كلِّ مكروهٍ وسوءٍ،،،
الدعاءُ،،،، وأقمْ الصلاةَ،،،، كتبه : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
وفقكم الله وسدد خطاكم